الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ..أما بعد
جاء الإسلام بجمع الكلمة والحث عليها قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [آل عمران: 103]
ونهى عن التفرق والتحزب قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) } [الروم: 31، 32]
وقد ابتلي المسلمون على مر التاريخ أن تخرج عليهم فرقة هي من بني جلدتهم ويتكلمون بألسنتهم، لكنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، فلعل القارئ الكريم عرف من المقصود؟
نعم أنها فرقة الخوارج، تلك الفرقة التي تتقمص الدين، وتظهر بمظهر الإستقامة والزهد والورع، وتتبنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ زعموا ـ، على طريقتهم الخاصة بهم، فمن هم الخوارج؟
الخوارج كما عرفهم الشهرستاني: (كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (الخوارج طائفة عندها غلو، مجتهدة في الدين عندهم اجتهاد في الصلاة والقراءة وغير ذلك، ولكن عندهم غلو، يكفرون أهل المعاصي لشدة غلوهم يرون من زنى كفر، من شرب الخمر كفر، من عق والديه كفر، يكفرون بالذنوب، قال فيهم النبي ﷺ: يمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه، هؤلاء هم الخوارج عندهم تنطع)
وهذه الفرقة لها من الأساليب العجيبة ما تجعل الحليم حيران، سواء قديماً أو حديثاً فلكل بدعة وارث، فالخروج على المسلمين بدعة، ورثها خوارج العصر؛ لأنهم أخذو من قواعد اسلافهم المتقدمين، وتشبعوا فكرهم ومعتقداتهم الفاسدة.
فمن اساليبهم :
ـ التكفير لولاة الأمور المسلمين والخروج عليهم، ولا يرون لهم بيعة، والسعي الحثيث وحبك المؤامرات لقتلهم واغتيالهم، قتلوا عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين والمصحف بين يديه، وقتلوا علياً رضي الله عنه، وخوارج العصر قتلوا بعض رؤساء الدول، وحاولوا جاهدين لاغتيال بعض الحكام المسلمين، فهي من سننهم التي يتوارثونها.
ـ التكفير بالمعصية ولمن خالفهم؛ لأن الخوارج يكفرون بالكبيرة فالعاصي عند هؤلاء الخوارج كافر مخلد في النار والعياذ بالله، وهذا التكفير يترتب عليه أمور منها استحلال الدم والمال والعرض.
ـ قتال أهل الإسلام وترك أهل الأوثان، وهذا كذلك معروف عند الخوارج قديماً وحديثاً فقد قاتلوا قديماً أفضل الناس بعد رسولها الصحابة رضي الله عنهم، واليوم قتلوا حتى أقاربهم.
ـ العزلة عن الناس، يعيشون في عزلة عن المجتمعات بعيدين عن الأضواء، يتخذون الجبال والكهوف والأودية سكناً لهم .
واعني بالعزلة عندهم: عزلة مكانية وعزلة شعورية، ومن ذلك ما حصل من الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وانشقوا عن جيشه ، وفارقوا جماعة المسلمين واعتزلوهم، وذهبوا إلى مكان يسمى (حروراء)، وهو مكان يبعد عن الكوفة ميلين، واتخذوه مقراً لهم، وكثيرا من خوارج العصر ومنهم تنظيم القاعدة وداعش وجماعة التكفير والهجرة وغيرها اعتزلوا المجتمعات وذهبوا إلى الجبال والكهوف، وذلك معروف بالتتبع والاستقراء عن حال القوم.
ـ اتباع المتشابه من القرآن، وإنزال الآيات التي نزلت في المشركين والكفار ينزلونها على المسلمين؛ وذلك لجهلهم وقلة علمهم وفقهم في الدين.
ـ بُعدُهم عن العلماء الربانيين، ولذلك الخوارج قديما لم يأخذوا بأقوال الصحابة، ولا أقوال التابعين، عندما خرجوا في ذاك الزمان، بل سفهوهم وتفردوا بفهمهم القاصر؛ لأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فليس لهم حظ من القرآن إلا التلاوة، بلا تدبر أو تفكر، وخوارج اليوم تركوا العلماء، بل وصفوهم بأبشع الأوصاف، وكفروهم، وأسموهم بعلماء السلاطين، وعلماء حيض ونفاس، كأسلافهم تماماً.
ـ الغدر والخيانة، والقتل غيلة، فهم أهل غدر وليس لهم أمان أو ذمة.
ـ القتل في المساجد، فقد قُتِل علي رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين على يد ابن ملجم الخارجي عليه من الله ما يستحق، قتله وهو في المسجد الكبير بالكوفة، وخوارج اليوم يقتلون المصلين في بيوت الله، بل وينسفونها نسفاً، وما حادثة تفجير مسجد قوات الطوارئ عنا ببعيد، وقتل رجال الأمن وهم يأدون الصلاة، ومحاولة التفجير في المسجد النبوي.
هذه بعض من أساليب القوم قديماً وحديثاً، لكن كما قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ, أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ ") .
ختاماً اسأل الله عز وجل أن يكفي المسلمين شر هذه الفرقة، وأن يمكِّن ولاة أمور المسلمين منهم.
كتبه: فضيلة الشيخ : منصور بن علي شراحيلي
مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة الباحة