إن ما تنعم دولتنا - المملكة العربية
السعودية - من أمن وأمان، إنما هو بتوفيق الله -جل وعلا- أولا وآخرا، ولتحكيم ولاة
أمرها - منذ نشأتها عام 1157
هـ، وإلى يومنا هذا - على كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- ، والتفاف
الرعية على ولاتهم وإظهار الولاء والمحبة الصادقة لهم.
وإن هذا الالتفاف على ولاة أمرنا، ومحبة
الرعية لهم، وشرف أهل هذه البلاد بالانتماء لها، وإظهار ذلك من خلال طاعة ولاة
أمرنا بالمعروف، والمساهمة في رفعة المملكة العربية السعودية على جميع الأصعدة
بقدر ما هو موجب للحمد لله والثناء عليه سبحانه، ومفرح للقلوب، فإنه أيضا باعث
لإخراج کوامن الصدور الفاسدة التي لا ترضى بهذا التلاحم بين الراعي والرعية، ولا
ترضى بما تصل إليه دولتنا من رقي ورفعة مع تمسكها بالكتاب والسنة، وهم ما بين حاقد
أظهر حقده، وآخر يخفيه، ولكنه يعرف حاله من لحن قوله.
ولذا، فالوصية للجميع بالتواصي فيما
بيننا بالمحافظة على نعمة الأمن والاستقرار، والالتفاف على ولاة الأمر، وذلك
بالذود عن حياض هذا الوطن، وما جعله الله تعالى في عنق كل واحد منا من بيعة شرعية للإمام
المسلمين بالسمع والطاعة في المنشط والمكره واليسر والعسر، نلقى الله تعالى بها،
وبيعة نتقرب إلى الله تعالى بها، فإن هذه بيعة يحبها الله ويكافئ عليها ويجازي
عليها، ولها حقوق وواجبات، من أعظمها أن نصد ونرد كل دعوة وكل حملة وكل طريق وكل
سبيل إلى التشكيك والتأليب على ولاة الأمور، ولنعلم أن من يدعو إلى ذلك فإنه يدعو
إلى غير السبيل والسنة، وإلى غير منهج السلف الصالح.
فإنه اليوم تعقد الاجتماعات، وتحاك
المخططات بین ثالوث الشر وأعوانهم، ومن يغذونهم بالمال وغيره، يتحالفون ويتكالبون
ويمكرون ويخططون على وطننا، وقد ظهر عبر وسائل الإعلام بعض ما يحاك من هذه المخططات
التي يراد منها إشاعة الفوضى والخراب، وتدمير مقدراته الاقتصادية، فقاموا بأعمال
إجرامية مادية مباشرة بالأسلحة والهجمات المادية، ومن ذلك بث الشبه والدعوات
الضالة، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تهدف لتقويض وحدة صفه وائتلاف
كلمته.
فالحذر واجب، وقد قال الله: {يا أيها
الذين ءامنوا خذوا حذركم}[النساء: ۷۱]،
فإن الأمر جد خطير، فإن الإحصائيات مفزعة فيما يتكالب به الأعداء على هذه البلاد،
مما يوجب علينا أن نكون في كامل اليقظة والحذر، والانتباه لهذه المخططات الماكرة،
والهجمات الآثمة ، وأن نكون في ذلك مستعينين بالله تعالى، وعلى علم ويقين بأن هذا
الدفاع دفاع عن ديننا، وعن عقيدتنا، وعن منهجنا، نتقرب به إلى الله تعالى، وأن ما
يحصل للإنسان من تعب أو جهد يبذله في ذلك فهو من القربات والطاعات التي تقربه إلى
الله تعالى، فيحسن النية والقصد، ويثق بأن دفاعه عن هذه البلاد بيده وعقله ولسانه،
والذود عنه أن ذلك طاعة وقربة تزيد من حسناته، وتعظم أجوره وثوابه عند الله تعالى،
فلا يظن أنها مجرد وظيفة يقوم بها الإنسان، لا والله بل هي رسالة وهدف سام للذود
عن حياض هذا الوطن المبارك، لا سيما في هذا الوقت بالذات مع تربص العدو الحاقد
الماكر، والذي تتعدد صنوف وأساليب وطرائق مهاجمته لهذه البلاد المباركة، واستهداف
شبابها وعقول أبنائها، ببث الشبهات والدعوات الضالة.
فهذا الوطن يتكالب اليوم عليه:
أعداء الإسلام أولا.
وأعداء أهل السنة والجماعة والعقيدة
السلفية الصحيحة ثانيا .
وأعداء الائتلاف والوحدة التي تنعم بها
هذه البلاد المباركة ثالثا من أصحاب الثورات والمظاهرات.
فبلادنا وطن الإسلام، ومأرز الإيمان،
وملاذ عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا العصر، وهي دولة التوحید والسنة، والعقيدة
السلفية الصحيحة التي يعاديها بعض منتسبي هذا الدين من أصحاب الدعوات الضالة.
فلقد ابتلينا في هذا الزمن بجماعات
وأحزاب سياسية تتلبس بلبوس الدين والغيرة عليه، وهم أعداء لهذا الدين، خرجوا على
الولاة، وأسسوا جماعات وأحزاب، وقصدها الخروج على الولاة، والوصول إلى الحكم، وهي
تظهر لهم أنها إسلامية وأنها تريد الخير للناس! ففرقت شمل الأمة، وأحدثت الفوضى
والنزاع بما نراه في دول ليست ببعيدة عنا، قامت فيها هذه الثورات التي صنعتها
أيادي الكفر والضلال والانحراف، وأشعلتها نارا تلتهب على أبناء تلك الأوطان،
فذاقوا من جرائها الويلات، وحصلت الفوضى وأريقت الدماء، ونهبت الأموال، وانتهكت
الأعراض، وسادت شريعة الغاب، فالقوي يأكل الضعيف، فلا أمن ولا استقرار، ولا تنمية
ولا ازدهار، وإنما حروب، وويلات، ومجاعات وأزمات، وخوف، وفزع.
ومن دعاوهم الضالة الفاسدة ربط مصطلح
(الوطن) بالمصطلحات الفكرية المنحرفة، أو المسميات الشرعية المذمومة، فيذهبون إلى
أن حب الوطن يصيره وثنا يعبد من دون الله! ويرون أن حب الوطن، والوطنية فكرة
غربية، لا علاقة لها بالإسلام الذي لا يقدس الحدود! وقد تقدم من النصوص الشرعية،
وكلام أهل العلم المتقدمين والمتأخرين ما ينفي هذه الدعوى.
وهذه الدعاوى تقوم بتغذيتها جماعات
وأحزاب لا تخفى مقاصدها؛ لتحقيق مآرب في مجملها سياسية، والوصول إلى مطالب دنيوية؛
لتحقيق أغراض شخصية، لا حقق الله لهم مرادا في بلادنا وبلاد المسلمين عامة.
نسأل الله تعالى أن يحفظ هذه البلاد آمنة
مطمئنة، وأن يكبت أعداءها، وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يحفظ لنا ولي أمرنا خادم
الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأن ينصره بنصره ويؤيده بتأييده،
وولي عهده محمد بن سلمان، ونسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم موفقین مسددين، وصلى
الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الانتماء
واللحمة الوطنية، لمعالي أ.د/ عبدالرحمن السند، (ص 53-56)]