الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
تعد تجربة المملكة العربية السعودية في التصدي لإرهاب الجماعات الحركية وعناصر الشر أنموذجاً يحتذى به، وحظي بتقدير محلي ودولي، لما تتمتع به المملكة من خبرة أمنية عالية مكنتها من دحر هذه الجماعات وإفشال خططها ولله الحمد. كما تمكنت من إجهاض كثير من العمليات الإرهابية بشن ضربات موجعة أفشلت أكبر العمليات الإرهابية وأعقدها تركيباً سواءً تلك التي لم تحقق أهدافها أو عمليات استباقية بالوصول إلى المكان المستهدف ومنع تنفيذ العملية والحؤول دون تحقيق الهدف الإرهابي، ولهذا يؤكد كثير من المراقبين أن تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب عكست تفوقاً غير مسبوق يضاف لسجل المملكة في مكافحة الإرهاب والتطرف. مما يعني أن التدابير التي اتخذتها المملكة أسهمت في القضاء على بنية هذه الجماعات الفكرية والمادية والحد من نشاطها وشل حركتها، ويأتي في مقدمة هذه التدابير سن عدد من النصوص النظامية فجرمت المشاركة في أعمال قتالية خارج المملكة، أو الانتماء للتيارات أو الجماعات - وما في حكمها - سواء كانت دينية أو فكرية متطرفة، أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت كما نص على ذلك بيان وزارة الداخلية المعلن في 07 مارس 2014 - 6 جمادى الأول 1435هـ.وشمل التجريم كل من يفصح عن "التعاطف مع الجماعات والتيارات بأي وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض على شيء من ذلك، أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأي طريقة". فسلامة الوطن والمجتمع يملي على الدولة أن تصونها بأي ثمن وتقدم كل التضحيات في سبيل هذا الواجب الشرعي.
ولو سأل أحدنا نفسه لماذا تم تجريم الإفصاح عن التعاطف؟ وهو سؤال يتبادر إلى ذهن كل قارئ للبيان مع أن التعاطف أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر في الغالب وإنما بالظروف والملابسات المحتفة به!!! الجواب عليه قد يكون في أن كسب التأييد والتعاطف هو الوسيلة المتاحة للجماعات الارهابية اليوم حتى وهم في الرمق الأخير باعتبار وسائل التأثير هي الأكثر شيوعاً والأسرع وصولاً وأقل تكلفة مستغلين لتحقيق هذا الغرض طيبة الناس وسذاجة البعض وضعف التحصين، فالتعاطف مكسب بالغ الأهمية والخطورة في نظر الحركات الارهابية سهل الوصول في بلوغ أهدافها لإحداث التغيير العميق في أفكار الناس وإحلال غيرها مكانها وصناعة ما يسمى بالجماهير كما وصفها العالم الفرنسي غوستاف لوبون (7 مايو 1841 - 13 ديسمبر 1931) في كتابه "سيكلوجية الجماهير"، فعندما تفلح الجماعة الإرهابية في طمس الشخصية الواعية للفرد تصبح عواطف وأفكار الجماعة الإرهابية هي الموجهة للفرد، وعندئذ تتشكل ما يسمى بالروح الجماعية وتصبح هذه هي جماعة الأفراد ضمن ما يطلق عليه "الجمهور"، وتصبح خاضعة لقانون الوحدة العقلية للجماهير، فتذوب الشخصية الواعية للأفراد وتوجه أفكارهم ومشاعرهم في اتجاه فكر الجماعة؛ وصولاً للروح الجماعية الواحدة الأمر الذي يحسون معه ويفكرون ويتحركون بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي كان سيحس بها ويفكر ويتحرك كل فرد منهم لو كان معزولاً عن الجماعة، وهو ما يفسر إلى حد ما سرعة انسياق الفرد أحياناً وراء هذه الجماعات وسقوطه في حالة الانجذاب الشديد كالتي يشعر بها المُنوَم مغناطيسياَ تجاه مُنوِمِه فيسقط بين يدي مُنوِمِه بحيث يصبح سهل الانقياد وقادراً على توجيهه الوجهة التي يشاء، وتصبح الشخصية الواعية مغمياً عليها، وتكون إرادة التمييز والفهم ملغاة، وعندئذ تصبح عواطف المُنَوُّم وأفكاره موجهة في الاتجاه الذي يحدده المُنوِّم، وهذا ما ترمي إليه الجماعات الارهابية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين وبذرتها "القاعدة، داعش" فتأملوا في الوقائع الإرهابية "قتل الأقارب والأصدقاء" تمت في أبشع صور القتل تحت لواء نصرة الإسلام ورفع الظلم، وغيرها من الوقائع ليتضح لكم الأمر.
إن مجرد تحقيق هذا الكسب" التعاطف " لهذه الجماعات فإن الفرد ينزل درجات عديدة في سلم الوعي، فهو عندما كان فرداً معزولاً عن هذه الأفكار ربما كان إنساناً مثقفاً متعقلاً، ولكنه ما إن ركب هذه الموجة حتى أصبح مقوداً بغريزته وبالتالي همجياً، ويصبح عفوياً إلى درجة أن يترك نفسه عرضة للتأثر بالخطب والمواعظ التي تقوده إلى اقتراف جرائم وآثام بحق أنفس معصومة واتلاف المقدرات والممتلكات وزعزعة الأمن والاستقرار مخالفاً بذلك العقيدة ومبادئه وأخلاقه الُمنشَّأ عليها. إن الفرد عندما ينخرط في جماعة إرهابية فهو عبارة عن حبة رمل وسط حبات الرمل تذروها الرياح على هواها.
كتبه: الدكتور أحمد بن علي الشهري
مدير عام مركز الدراسات والبحوث بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر