الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
إن المتأمل لأحوال الفرق التي غلت في التكفير في هذا العصر، يجد أن تأثرهم على تنوع مشاربهم التكفيرية من منابع إخوانية أبرزها منبع القطبية، وهذا يجعل لزاما علينا أن نعرف هذه الفرقة التي ساهمت بشكل كبير في تغذية الفكر التكفيري القتالي في هذا العصر، وجعلت الطابع السائد لديهم سمة التكفير والاستحلال للدماء والأموال، وقد قام على تأسيس هذا الفكر الضال الذي أفسد البلاد والعباد الأب الروحي لفرقة القطبية والتي إلى اسمه نسبت الفرقة وهو سيد قطب، فقد طفحت كتاباته بعبارات التكفير للأمة واصما الأمة بالجاهلية، وقد أكثر من ترداد هذا الاصطلاح عليهم ليكسب أتباعه أنهم مهما فعلوا بمن كان جاهليا فإن عمله على بشاعته يعتبر قربة لله.
ولعل من أبرز العبارات التي ساقها والتي تدل على التكفير الكلي للمسلمين إلا طائفته التي ترتضي قوله هو ما قاله في كتابه العدالة الاجتماعية ص: (183): (وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم – على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام – لا نرى لهذا الدين وجودا، إن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة، ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وألا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثيرين الذين يحبون أن يكونوا مسلمين).
ويقول في الظلال في تفسير سورة الأنفال(3/1476): ( وهذه العصبة المؤمنة التي تتحرك بهذا القرآن لإعادة إنشاء هذا الدين في واقع الناس هي التي تتذوق هذا القرآن، وتجد في تلاوته ما يزيد قلوبها إيمانا؛ لأنها ابتداء مؤمنة، الدين عندها هو الحركة لإقامة هذا الدين بعد الجاهلية التي عادت فطغت على الأرض جميعا).، ويقول: ( ليس على وجه الأرض دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي)، ويقول في معالم في الطريق ص(33): ( نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا، هو كذلك من صنع الجاهلية).
ومن ذلك تأييده وثناؤه على الخوارج الذين خرجوا على عثمان بن عفان ووصفها بأنها فورة من روح الإسلام بقوله في العدالة الاجتماعية، ص: (160): (وأخيرا ثارت الثائرة على عثمان واختلط فيها الحق بالباطل، والخير بالشر، ولكن لابد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام، ويستشعر الأمور بروح الإسلام، أن يقرر أن تلك الثورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام، وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ عليه لعنة الله).
وهذا تأييد لرأي صريح للخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأن خروجهم كان هو الصواب وإن كان المحرك لهم اليهودي ابن سبأ، وهذا هو النهج الخارجي الذي تدين به فرقة القطبية بالخروج على الولاة الشرعيين، واستباحة الدماء كما استباح هؤلاء الخوارج دم عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنه، فهذه الفرقة القطبية لما نظرت إلى ولاة المسلمين أقرت عليهم بالكفر الشنيع وأخرجتهم من الملة وأوجبوا الخروج عليهم.
ومن مرتكزات هذه الفرقة تفسيرها لكلمة التوحيد بالحاكمية كما قال سيد في العدالة الاجتماعية: ص: (182) (إن الأمر المستيقن في هذا الدين أنه لا يمكن أن يقوم في الضمير عقيدة ولا في واقع الحياة دينا إلا أن يشهد الناس أن: لا إله إلا الله، أي: لا حاكمية إلا لله..).
ومن التأصيل لهذه الفرقة أن الدين توقف ولا وجود له كما قال سيد في العدالة الاجتماعية ص(213) لما تكلم عن المقومات الأساسية في المجتمع المسلم قال: (هذه إشارات مجملة للعمل في الدائرة الفكرية للتمهيد للوجود الفعلي للإسلام، ولكن شيئا من هذا كله لن يكون ذا قيمة قبل أن تدرك العصبة المؤمنة في الأرض أن هذا الدين عقيدة تتمثل في إفراد الله سبحانه بالألوهية، ومن ثم إفراده بالحاكمية، ودين يتمثل في نظام يترجم هذه العقيدة، وأن تدرك كذلك أن هناك توقفا في وجود الإسلام، وأن الخطوة الأولى هي إعادة وجود الإسلام عقيدة، ليمكن بعد ذلك وجوده نظاما، وأن تستيقنوا أن المستقبل لهذا الدين، على الرغم من هذا التوقف الموقوت).
ويؤسس القطبية كيفية التعامل في حال مطاردتهم ونبذهم من قبل أصحاب المجتمع الجاهلي كما يسمونهم فيذكر في قصة بني إسرائيل مع موسى كما في الظلال(3/1816) في قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين).
أن على العصبة المؤمنة أن تقوم بأمور:
الأول: اعتزال الجاهلية بنتنها وفسادها وشرها، وتجمع العصبة الخيرة النظيفة على نفسها، لتدربها وتنظمها وتزكيها.
الثاني: اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد.
فأنشأ بذلك التنظيمات السرية، وجعل العبادة تكون بالبيوت لأن المساجد في الأمة الجاهلية هي معابد للجاهلية.
وقد عاب بعض منظري الإخوان المسلمين توجه سيد قطب إلى التكفير كما ذكر ذلك القرضاوي في كتابه ابن القرية والكتاب (3/ 56) حيث يقول: (فالحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية)، وقال في كتابه السابق 3/ 62 وأن سيد قطب كان يصف من خالف رأيه بأحد أمرين: إما السذاجة والغفلة والبله، أو بالوهن والضعف النفسي.
وقد نشأت عن الفرقة القطبية الفرق القتالية والتي انتهجت نهج الخوارج في التكفير وفي الخروج على ولاة الأمر والاستباحة للدماء، فقد كان العمدة لديهم في أقوالهم على أقوال سيد قطب وتكفيره للمجتمعات واستحلال الخروج على الأئمة، وقد خرج من هذه الفرقة فرق كلها جنحت للفكر التكفيري والقتل للمسلمين من ذلك القاعدة فقد تأثر أسامة بن لادن بفكر سيد قطب عن طريق المنظر للقاعدة والخليفة من بعده وهو أيمن الظواهري، والتي خرج منها داعش والنصرة، وممن خرج من الفرقة القطبية جماعة التكفير والهجرة، والسرورية.
وهذه الطريقة قد بين العلماء أن الخوارج ينتهجونها كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى (7 /481): - متحدثا عن الخوارج – ( وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب، بل بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك)، وقال الملطي في كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص(51) : (والشراة – وهي فرقة من الخوارج – كلهم يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم)، ويقول الشهرستاني في الملل والنحل (1/115) عن الخوارج : (ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقا واجبا)، وقال البربهاري في شرح السنة ص(29): (ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي قد شق عصا المسلمين وخالف الآثار وميتتة ميتة جاهلية).
هذه شذرات لبعض ما تنتهجه هذه الفرقة التي أفسدت في هذه الأمة في هذا العصر ما لم يستطع الكفار أن يفسدوه فيها، وقد عانى المسلمون من ويلاتها الشيء الكثير، ما بين قتل وضياع للأمن والأموال، ومكنت الدول المعادية من الدخول في الدول الإسلامية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه: الدكتور علي بن ذويب العنزي
مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الجوف