الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فالحج الركن الخامس من أركان الإسلام التي فرضها الله على عباده، وجعلها مباني الإسلام التي لا يتمّ إلا بأدائها على ما شرع سبحانه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلً} (آل عمران: 97)، وقال صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" (رواه البخاري رقم: 8)، فالمسلم يقصد مكة المُكرمة لأداء الحج والعمرة تعبداً لله تعالى، فالحج هو: "قصد المشاعر المقدسة؛ لأداء المناسك في مكان مخصوص ووقتٍ مخصوص تعبداً لله عز وجل"، والعمرة هي: "التعبد لله تعالى بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والتحلل بالحق أو التقصير"، وتكون على ما جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم (انظر: ابن عثيمين "الشرح الممتع" ج5/ ص6، 7، ومجموع فتاوى ابن عثيمين ج24/ ص215)، وللحج والعمرة فضائل عظيمة، من هذه الفضائل ما هي مترتبة على إتمام الحج والعمرة وتكرارها، ومنها ما هو مترتب على بعض أعمالها ومناسكها، وتفصيل جزء منها -وهي كثيرة- على النحو التالي:
1ـ من أفضل الأعمال التي يُتقرّب فيها إلى الله تعالى: جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ". (رواه البخاري رقم: 26).
2ـ تكفر الذنوب ويهدم ما كان قبله من السيئات ويُجازى بالجنّة: قال صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ" (رواه البخاري رقم: 1773)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ". (رواه البخاري رقم: 1521)، وفي الحديث عن عَمْرَو بنَ العاصِ قال: "...لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإسْلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قالَ: ما لكَ يا عَمْرُو؟ قالَ: قُلتُ: أرَدْتُ أنْ أشْتَرِطَ، قالَ: تَشْتَرِطُ بماذا؟ قُلتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟" (رواه مسلم رقم: 121).
3ـ جهاد لا شوكة فيه ولا قتال: في الحديث جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فقال: "إنِّي جَبانٌ، وإنِّي ضَعِيفٌ"، فقال: "هَلُمَّ إلى جِهادٍ لا شَوْكةَ فِيِه؛ الحَجُّ" (رواه الطبراني في المعجم الكبير وصححه الألباني في صحيح الترغيب)، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالتْ: يا رسولَ اللهِ، هل على النِّساءِ مِن جِهادٍ؟ قال: نعمْ، عليهنَّ جِهادٌ لا قِتالَ فيه؛ الحجُّ والعُمرةُ" (رواه ابن ماجه رقم: 2901، والإمام أحمد رقم: 25322).
4ـ نفي الفقر والذنوب: قال صلى الله عليه وسلم: "تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ" (رواه الترمذي رقم، 810، والنسائي رقم: 2630 والإمام أحمد رقم 3669).
5ـ فضائل التلبية: قال صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مسلمٍ يُلَبِّي، إلَّا لَبَّى ما عن يمينِهِ، أو شمالِهِ مِنْ حجَرٍ، أوْ شجرٍ، أوْ مدرٍ، حتى تنقطعَ الأرضُ مِنْ هاهُنا وهاهُنا" (رواه الترمذي في سننه رقم: 828، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
6ـ فضل يوم عرفة: قال صلى الله عليه وسلّم: "ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟" (رواه مسلم رقم: 1348).
وغيرها من الفضائل كثير والله صاحب الفضل والمنّة على عباده، فمن وحّد الله، وأخلص نيّته لله جل وعلا، واتبع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأطاب مطعمه وتبرّأ من حقوق الناس التي عليه، وقصد بيت الله الحرام؛ لأداء الحج أو العمرة فهو قريب من رحمة الله وفضله والله المستعان.
عبدالله بن محمد شراحيلي
وكيل الرئيس العام للتخطيط والتطوير بالرئاسة العامة