الحمد لله رب العالمين القائل في المحكم المبين ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله ومن والاه أما بعد:
فإن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقيادة معالي الرئيس العام أ.د عبدالرحمن بن عبدالله السند تقوم بدور كبير جدًا في موسم الحج من خلال توعية الحجاج ونصحهم وإرشادهم وحثهم على أداء نسكهم على الوجه المشروع بعيدًا عن المخالفات الشرعية والمحدثات البدعية، ومشاركة مني مع زملائي منسوبي هذا الجهاز المبارك جهودهم التوعوية المباركة في موسم الحج، أضع بين يديك أيها الحاج الكريم مقالًا بعنوان " أخلاق الحاج" فأقول وبالله التوفيق:
إن الحج إلى بيت الله الحرام فريضة عظيمة فرضها الله تعالى على عبادة في العمر مرة واحدة، فكان الواجب على من وفقه الله تعالى لأداء هذا النسك العظيم أن يؤديه بشروطه وأركانه وواجباته ليكون حجه حجًا مبرورًا مقبولاً عند الله تعالى، ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن يراعيها الحاج أن يهتم بأخلاق الحج، وحسنُ الخلق كما قال العلماء يكون مع الله تعالى ويكون أيضًا مع عباد الله، ولعلي أذكر أهم هذه الأخلاق فيما يلي:
أولاً: الإخلاص لله تعالى بأن يكون الباعث له على أداء فريضة الحج هو طلب مرضاة الله تعالى وابتغاء الأجر والمثوبة منه سبحانه، وألا يكون في نفسه شيء من حظوظ الدنيا لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه» رواه مسلم برقم: 2985، وبعض الحجاج، هداهم الله يريد من حجه أن يحصل على لقب «الحاج فلان»!، والبعض الآخر يحج كل عام ليتفاخر بعدد المرات التي حجها، والبعض يرائي بحجه الناس بتصوير نفسه في الطواف أو السعي أو وقوفه بعرفات أو رميه للجمرات ، وهذه المقاصد ولا شك تؤثر في الإخلاص وقد تكون سببًا في بطلان الحج أو نقصان أجره وثوابه.
فاحذر أخي الحاج من كل مقصد ينافي الإخلاص، واستعن بالدعاء الصادق بأن يجعل الله حجك حجًا خالصًا لوجهه الكريم، وتذكر وفقك الله أن نبيك صلى الله عليه وسلم عندما حج حجة الوداع قال فيها: «اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة» رواه ابن ماجه برقم:2890، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم: 2890.
ثانياً: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي عليك أخي الحاج أن تتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في حجته، عملًا بقول الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) سورة الأحزاب 21
وعندما حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع كان يقول: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه) رواه مسلم برقم: 1297
واعلم رحمك الله أن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مناسك الحج والتفقه في أحكامه، عصمة للحاج من البدع والأخطاء والمخالفات التي تصدر من بعض الحجاج فتفسد عليهم حجهم أو تنقص من أجره وثوابه.
ثالثا: التقوى
فمن أخلاق الحاج العظيمة تقوى الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب﴾ سورة البقرة 197
وقال سبحانه عن الذبائح في الحج: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى منكم﴾ سورة الحج 37
وعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، قال: سَمعتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن حجَّ للهِ، فلم يَرفُثْ ولم يَفسُقْ، رجَع كيومَ ولدَتْه أمُّه)) رواه البخاري برقم:1521
والتقوى كما عرفها طلق بن حبيب رحمه الله هي: «أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تحذر من معصية الله، على نور من الله تخشى عقاب الله» أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم:35160.
رابعاً: العلم
وقد مر معنا أهمية التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في حجته، ولا يتم ذلك إلا بالعلم الشرعي ومعرفة صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم والنصوص الواردة في أحكام مناسك الحج، فينبغي على المسلم إذا نوى الحج أن يتعلم هذه المناسك وفق الكتاب والسنة وأن يسأل فيما أشكل عليه أهل العلم المعتبرين.
ومن علامة الخير بالحاج أن يتفقه في الدين ويتعلم مناسك الحج، فقد جاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفقٌ عليه.
خامساً: الخوف والرجاء
فينبغي على الحاج أن يجمع في حجه بين الخوف والرجاء فيكون خائفا راجيا، قال مطرف وهو واقف بعرفة: «اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي» الزهد للإمام أحمد برقم:1363، وقال بكر يوم عرفة: «ما أشرفه من مقام وأرجاه لأهله، لولا أني فيهم» التبصرة لابن الجوزي 2/142.
وقال ابن المبارك لسفيان الثوري عشية عرفة: "مَن أسوأ هذا الجمع حالا؟ فقال له: الذي يظن أن الله لا يغفر له" حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا برقم:78.
سادساً: التوبة الصادقة
ومن أخلاق الحاج التوبة الصادقة، وهي: «الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا، إلى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا»، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتوبة فقال سبحانه وتعالى: ﴿وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون﴾ سورة النور 31، ولهذا قال بعض العلماء من علامة الحج المبرور أن يكون الحاج بعد الحج أفضل حالا قبل الحج.
سابعاً: المعاملة الطيبة مع الحجاج بحسن الخلق الذي يتضمن أمورا ثلاثة وهي كف الأذى وبذل الندى وطلاقة الوجه، فينبغي أن يكف الحاج أذاه عن إخوانه الحجاج سواء فيما يتعلق بأموالهم، أو فيما يتعلق بأنفسهم، أو فيما يتعلق بأعراضهم، ومن الأذى: التضييق على الحجاج ومزاحمتهم ومدافعتهم والافتراش في طرقهم، وأما بذل الندى فهو الكرم والجود والإحسان، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «بر الحج: إطعام الطعام، وطيب الكلام» رواه أبي داود الطيالسي في مسنده برقم:1824 وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم:2819.
وأما طلاقة الوجه فهي: «ملاقاة الناس بالبشر والحفاوة»، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» أخرجه مسلم برقم:2626.
ومن حسن الخلق في الحج: العفو عن المسيء، وقبوله المعاذير، وترك الغضب، والرفق واللين، والحلم، وإدخال السرور على الحجاج، وقضاء حوائجهم، وغير ذلك من أوجه البر وصنائع المعروف.
ثامناً: العمل بأنظمة الدولة والتقيد بالتعليمات التي تضعها الوزارات المسؤولة عن الحجاج في المملكة العربية السعودية لاسيما وزارة الداخلية ووزارة الحج والعمرة ووزارة الصحة.
وذلك لأن الدولة السعودية وفقها الله قدمت الغالي والنفيس لخدمة ضيوف الرحمن وتسعى سعيا حثيثا للحفاظ على أمنهم وسلامتهم وصحتهم، فكان الواجب على جميع الحجاج التعاون مع الجهات المسؤولة لتحقيق رسالتها السامية في خدمة الحجاج وتيسير مناسك حجهم منذ وصولهم إلى المشاعر المقدسة إلى عودتهم إلى بلادهم سالمين غانمين.
تاسعاً: الصبر والتأني وترك العجلة
فالصبر من أخلاق الحاج المهمة، لأن الحج من أكثر العبادات التي تحتاج إلى صبر، لما فيه من الزحام واختلاف طبائع البشر وعاداتهم، وكذلك يحتاج إلى الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله، والصبر على مفارقة الأوطان والأهل والأحباب، قال تعالى: ﴿والله يحب الصابرين﴾ سورة آل عمران 146.
كذلك يتحلى الحاج بالتأني وترك العجلة فإن بعض الحجاج يزاحم مزاحمة شديدة ويسابق ويدافع كأنه في سباق، وهذا ليس من البر، وبعض الحجاج يتعجل ولا يتأكد من معرفة حدود المشاعر، فتراه يجلس يوم عرفة خارج حدود عرفة وهو لا يشعر وهذا خطأ عظيم، لأن من فاته الوقوف بعرفة، بطل حجه، وكذلك لا يتأكد من حدود منى ومزدلفة، ولا يتأنى عند التقاط الجمرات، فيلتقط الحصى الكبيرة التي لا تجزئ.
والنبي صلى الله عليه وسلم حينما دفع يوم عرفة فسمع وراءه زجرا شديد وضربا للإبل، أشار بسوطه وقال: «أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع» أخرجه البخاري برقم:1671، والإيضاع: هو: الإسراع والعجلة.
عاشراً: التواضع
ومن أخلاق الحاج: التواضع، فالحاج حينما يخلع ملابسه ويلبس إزارا ورداء، فإنه يعلن بذلك عن تواضعه وذله لله رب العالمين، ومن ذلك أيضا تواضعه لإخوانه الحجاج
وعدم الترفع عليهم والتكبر على ضعفائهم، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» أخرجه مسلم برقم:2865.
والحديث عن خُلق التواضع يذكرنا باجتماع الحجاج بلباس واحد في زمان واحد ومكان واحد لا فرق بين عربي وأعجمي أو أبيض وأسود أو غني وفقير أو شريف ووضيع إلا بالتقوى، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ سورة الحجرات 13.
وختامًا:
أسأل الله تعالى أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا..
كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجزي ولاة أمورنا خير الجزاء على قيامهم بخدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين، وأن يحفظ بلادنا وجميع بلاد المسلمين والله الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،
د. عمر بن عبدالرحمن العمر
مستشار معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر