الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله، نبينا محمد ﷺ، وآله وأصحابه رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا يخفي على مسلم، فضيلة العمرة؛ لأنها عبادة مخصوصة في مكان مخصوص، يجب أن تؤدى وفق ما جاء به الشرع، حتى ينال المسلم الغاية من مشروعيتها، ولقد بين النبي ﷺ، أن العُمرة إلى العمرة مكفرة لما وقع بينهما من الذنوب الصغيرة، فالعمرة بفضل الله مكفرة للخطايا إذا لم يخالطها إثم ولا رياء، ولا سُمعة، ولا رفث، ولا فسوق، ولذلك ينبغي على المسلم، أن يبتعد عما ينافي الشرع في عمرته؛ حتى يحصل له الأجر والثواب، وَالبعض رُبمَا اعتمر وَعَلِيهِ دُيُون فعليه أن يعرف فقه الأولويات، فسداد الديون مقدم على الفرائض؛ لأنه غير قادر، فكيف بالنوافل؟ كذلك عليه أن يتحلل إذا كان عليه مظالم بالطرق الشرعية المعروفة بالتحلل ممن ظلموا، وليعلم بأن المُرَاد من الأعمال الصالحة، كالْعمرة الْتقرب إلى الله، ولا يكون ذَلِك إلا مَعَ الْقيام بالتقوى؛ لقوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، لأن هناك من يعتمر، وفي أثناء طوافه غفل عن الخشوع، وشُغل بالدنيا، وانشغل وهو بالطواف والسعي بالمكالمات الهاتفية، أو مشاهدة ما تحمله من مقاطع الأجهزة الذكية، والطواف والسعي كما هو معلوم موطنان للذكر، والدعاء، وحضور القلب، والرسول ﷺ يقول: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غافلٍ لاه). رواه الترمذي وغيره بسند صحيح. وعلى المعتمر أن يحرص على أن تكون عمرته، خالصة لوجه الله، ولقد قال الرسول ﷺ: «اللَّهمَّ هذِهِ حَجَّةٌ لا رياءَ فيها ولا سمعةَ» رواه ابن ماجة وغيره بسند صحيح. لأن هناك من يعتمر، وَرُبمَا خرج للنزهة، وَرُبمَا اعتمر بِمَال فِيهِ شُبْهَة، أو قصده الرياء، والسمعة؛ فعليه أن يتقي الله، ويبتعد عن الرياء، والسُمعة، وبهذا يتبين لنا أن ما يفعله بعض المعتمرين، من إنقاص لأجر عمرتهم، من خلال:
1. تصوير أو وضع صورهم، في حالاتهم، أو في مواقعهم الإلكترونية وهم في حالة الإحرام، في بعض وسائل التواصل الاجتماعي؛ حتى يخبر كل من يعرفهم أنه في رحلة تعبد.
2. ومن المعتمرين من يرسل مقاطع صوتية، وبعضها مصورة، لأصحابه، وأقاربه، يخبرهم من خلالها بأنه مُعتمر؛ وبأنه الآن يدعوا لهم، وهذا لا شك أنه أمر مُخالف، ولم يُعرف عن سلف الأمة، كذلك يحرم نفسه، ومن دعي لهم من فضيلة دعاء الغائب للغائب، لقوله ﷺ: (أسرعُ الدعاءُ إجابةً، دعوةُ غائبٍ لغائبٍ) رواه أبو داود وغيره بسند لا يقل عن الحسن، وهنا لم تعُد دعوة غائب لغائب، وهذه قد تصدر منهم بحُسن نية، ولكن حُسن النية لا يصحح العمل.
3. ومن المعتمرين، من يحب أن يُستقبل عند قدومه، ويقال له عبارات ثناء، ويلقب بألقاب بسبب عمرته، وهذا باب من أبواب الرياء، والسُمعة، وكما جاء في الحديث قال ﷺ: (مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ). متفق عليه.
4. وبعض المعتمرين يظن أنه لابد أن يعقب عمرته الذهاب إلى المدينة المنورة، ولا شك هذا اعتقاد خاطئ، بل قد يقع في المحظور؛ إذا كان قصده بزيارة المدينة، زيارة أعظم قبر خلقه الله؛ وإنما المشروع عند زيارة المدينة، أن يكون القصد زيارة المسجد النبوي، وزيارة قبر النبي ﷺ، للسلام عليه يأتي تبعاً لا أصلاً.
5. وخلاصة الأمر: على من أراد العمرة، أن يتخلص من الشرك الأكبر إن كان واقعًا فيه، كنداء الأموات، ودعاء المقبور، والتوسل إليهم، فبعض المعتمرين قد يقعوا في الشرك الأكبر، فعليه الحذر من ذلك، ومن أراد أن ينال أجر التكفير بل وأجر العمرة، فليجعل عمرته خالية من الذنوب والخطايا، ومن البدع والمحدثات، واجتناب الشرك الأصغر من رياء وسُمعة، ووسائل الشرك الأكبر من التبرك بكل صوره وأشكاله.
اسأل الله أن يرزقنا اتباع السنة، واجتناب البدعة، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. صالح بن مقبل العصيمي
مستشار معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر