الحمد لله رب العالمين
علاقة الأمن بالعبادة ورأسها توحيد الله علاقة وطيدة، والله تعالى بين في كتابه أن الهدى مرتبط بالأمن قال تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) سورة البقرة: آية 38، فربط تحقق الأمن باتباع الهدى وقال تعالى في حق حرمه: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) سورة آل عمران: آية 97، وذلك لتقوم العبادة وهذه من مقاصد الشريعة في طلب وجود الأمن قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) سورة قريش: آية 3-4.
وقال الله تعالى (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) سورة النور: آية 55.
إذاً فعلاقة الأمن بالعبادة والهدى هي علاقة وجود ابتداءً أي لا يمكن أن يتحقق لك الأمن الكامل إلاَّ باتباع الهدى بتحقيق التوحيد قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) سورة الأنعام: آية 82.
ثم إنك لا تستطيع أن تمارس هذا الهدى وتظهره إلا بوجود الأمن، وهذه علاقة طردية فكلما زاد الأمن تمكن الشخص من تمكين وإظهار العبادة أكثر وتأديتها فالعلاقة بين الأمن والعبادة على مستويين علاقة وجود وأن العبادة سببٌ وشرطٌ في وجود الأمن بنوعيه وعلاقة طردية أيضاً فكلما زادَ تحقق العبادة زاد تحقق الأمن.
ولكن هنا ينجم تساؤل لدى البعض كيف تحقق الأمن لقريش وهم مشركون، إن الأمن الذي تحقق لهم ليس لكرامتهم بل لكرامة المكان، وذلك أن المكان له ارتباط بالتوحيد والعبادة والأمن فسخر الله قريش لحمايته وتأمينه وجازاهم في الدنيا مع أنّهم مشركين بأن جعلهم في أمن من الجوع أي أمن غذائي وأمن من الاعتداء أي أمن في السرب حتى يستطيعوا حماية البيت وباقي المشاعر المقدسة إلى أن ترجع الحالة الأصل وهو وجود وقيام أهل التوحيد وتمكنهم وأيضاً.
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الذي تحقق لقريش وهم على جاهليتهم أيضاً ليس أمناً كاملاً بل أمناً جزئياً مادياً، لأن الأمن العقدي ينجم ابتداءً من توحيد القلب ومن ذات المكلف، ولأن أساسه التصديق وهو ضد الشك قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) مسند الإمام أحمد: رقم 19689. لذلك عندما رجعت الحالة إلى أصلها وهو التوحيد ورجع الأصيل وتوفر البديل وهم الموحدون وحققوا قوله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) سورة قريش: آية3. وهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام من المهاجرين والأنصار ومن معه من باقي العرب أذهب الله عن قريش تلك الحصانة واستبدلهم بعباده المؤمنين محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحبه وذلك في فتح مكة، وكان أول أعماله صلى الله عليه وسلم تطهير الحرم من الشرك (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) سورة النصر (1-3).
إن من تأثيرات الأمن الإيجابية على أداء العبادة هو أن يتفرغ القلب إلى عدم ملاحظة أي شيء من أمور الدنيا سوى الاستغراق في تأدية العبادة وبالتالي إذا خشع القلب خشعت الجوارح وأن من أعظم أنواع الأمن أمن الإتّباع، فكلما زادت الثقة في المصدر زاد الاطمئنان نتيجة زيادة الأمن تجاه المصدر لذلك تجد أهل السنة أكثر الناس أمناً قال الله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) سورة الأنعام: آية 82. بينما تجد أهل البدع فضلاً عن من هو خارج الملة أكثر الناس اضطراباً وخوفاً وسوء ظن بالله، لذلك ارجع الله الأمن الحسي الذي تحقق لقريش إلى نفسه فقال: (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) سورة قريش: آية 4، فلكرامة المكان صارت لهم كرامة المكانة وامتن عليهم بذلك ونبههم عليه لكي يتوعوا وينتبهوا إلى إقامة الأمن المعنوي وهو التوحيد ولكنهم تمادوا في غيهم فسلب الله منهم هذه النعمة وأعطاها لمن أقام التوحيد وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحبه رضي الله عنه وتوالى على هذا الأمر الخلفاء الراشدون ومن أتى بعدهم من الموحدين ومنهم هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية والتي عنيت بإقامة الأمن العقدي قبل الأمن الحسي بل اهتمت بالأول أكثر من غيره فسهل تحقيق الأمن الحسي.
ومن منطلق التوحيد أولاً وما يتبعه من مناسك خاصة بالحرم وغيره من المنطلقات ارتبط الأمن ببيت الله الحرام لوجود عبادة لا تؤدى إلاَّ في هذا المكان اختصاصاً وبما أن العبادة القائمة على الأمن المعنوي الحقيقي لا تقوم على وجه الكمال إلا بوجود الأمن الحسي وعبادة المناسك مختصة بمكان معين فلا تقوم إلاَّ في هذا المكان المعين فكان لزاماً شرعاً وعقلاً أن يقرر الأمن بنوعيه في هذا المكان الأمن العقدي والأمن الحسي المادي ونذكر هنا قول من كان على الملة الصحيحة من اتباع موسى عليه السلام عندما كلموا أحد ملوك التبابعة من انهم يريدون الحج للكعبة ولكن أهلها حالوا بيننا وبينها بهذه الأصنام فانتفى النوع الأول من الأمن وبقي النوع الثاني من الأمن وهو الأمن المادي كرامة للمكان المادي والدليل أنه أمن مادي أنه أتى بعد ذكر توفر نعمة الأكل (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) سورة قريش: آية 4.
لقد حرصت حكومة المملكة العربية السعودية على توفير الأمن في المشاعر المقدسة فمنعت مظاهر الشرك والخرافة والأمور البدعية بإنشاء جهات دينية توعوية متعددة وبطاقات هائلة فقامت على تحقيق هذا الأمر أيما قيام وأولته عظيم الاهتمام فكان من ضمن ذلك أن كُلفت الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقيام بمناشط توعوية متوجه إلى حجاج بيت الله الحرام بأمرهم باتباع الشريعة وأداء الحج على ما أوجبه الله إخلاصاً ومتابعةً وهذا من أعظم أسباب التمكين في الأرض ومن أعظم الواجبات ومن هذا المنطلق يتضح لنا جانب من خصوصية المملكة العربية السعودية ومكانتها التي هي أعظم من مكانة قريش في الجاهلية لأن المملكة العربية السعودية تتبنى رسالة توحيد الله وإقامته ليس في بلاد الحرمين بل في كل أنحاء الدنيا وهنا يتجلى لنا وجه من وجوه المعاني في قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة التوبة: آية 19.
فعندما توحد لدى قيادة المملكة العربية السعودية المعتقد واتسق وانتظم تحقق الأمن بكل أنواعه وهذا التوحد في المعتقد والاتساق والانتظام لا يحدث إلاَّ في الدين الصحيح وهو دينٌ واحد وهو الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) سورة آل عمران: آية 19، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) سورة آل عمران: آية 85.
عبدالله بن محمد الشبانات
مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة الرياض