الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن من فضل الله علينا ورحمته بنا أن جعل للمؤمن أوقاتًا مخصصة، هي مواسم لاغتنام الخير، فيربح فيها من استغلها، وعرف قَدْرَ عُمْرِهِ وقيمةَ حياته، فيكثرُ فيها من عبادة ربه، ويواظبُ على فعل الخير، يقول ربنا جل وعلا: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر: 99).
وإن من المواسمِ والأيامِ العظيمة، أيام عشر ذي الحجة، التي أقسم الله سبحانه وتعالى بها فقال جل وعلا: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ (الفجر: 1-2).
وقد شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضلها وعظم العمل فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن، أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر" قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء" ]أخرجه البخاري[، وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: "ما من عمل أزكى عند الله عزَّ وجلَّ ولا أعظمَ أجرًا، من خير يعملُهُ في عشرٍ الأضحى". قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" ]أخرجه البخاري[.
وقد تنوعت الأعمال الصالحة المشروعة والمستحبة في هذه العشر؛ فمنها أداء مناسك الحج والعمرة، وهما من أجل الإعمال؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "العمرةُ إلى العمرةِ كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة" [متفق عليه]. والحج المبرور هو الحج ما كان خالصًا لله موافقًا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس فيه رفث أو فسوق.
كما يشرع الصيامُ من بداية العشر وحتى نهاية يوم عرفة؛ لما ثبت من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومها، وقد خص النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبيّن فضل صيامه فقال عليه الصلاة والسلام: "صيام يوم عرفة احتسِبُ على الله أن يُكفِّر السنة التي قبْلهُ والتي بعده" [أخرجه مسلم].
كما يستحب الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فأكثروا فيهن –أي العشر- من التهليل والتكبير والتحميد" [رواه الإمام أحمد].
ومن الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة: التقربُ إلى الله بنحر وذبح الأضاحي، وهي عبادة يبذل فيها المسلمون أموالهم تأسيًا بنبيهم -صلى الله عليه وسلم-؛ قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- : ضحى رسول -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، قال: ورَأيْتُه يَذْبَحُهُما بِيَدِه، ورَأيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ على صِفاحِهِما، وسَمَّى وكَبَّرَ. [رواه البخاري ومسلم].
كما يستحب الإكثار من الصدقة وصلة الأرحام وسائر الأعمال الصالحة، فهي وإن كانت مستحبة وأجرها عظيم في سائر العام؛ إلا أن أجرها أعظم في هذه العشر المباركة لخصوصية الزمان بالأفضلية.
وعلى هذا فشهر ذي الحجة، شهر تنوعت فيه الفضائل والخيرات، وحري بالمسلم أن يستقبل هذه الأيامَ بما ينفعه، وأن يعزم عزمًا جادًا على اغتنامها بالأعمال والأقوال الصالحة، فمن عزم على شيء وصدق مع الله؛ أعانه الله عليه وهيأ له الأسبابَ التي تعينه على إكمال العمل.
كما على العبد أن يبتعد عن المعاصي، فكما أن الطاعات من أسباب التقرب إلى الله، فالمعاصي من أسباب البعد عن الله سبحانه.
نسأل الله أن يوفقنا لصالح القول والعمل، وأن يرزقنا القبول.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تركي بن عبدالله الشليل
الوكيل للشؤون الميدانية والقضايا بالرئاسة العامة