الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد:
فإن العبادة لا تصح إلا بشرطين هما: الإخلاص لله، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا﴾ [الكهف:١١٠].
وقد أمر الله تعالى بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: 80].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء:٥٩].
والواجب على المسلم أن يؤدي العبادات على الصفة التي أداها النبي صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"[1]، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مناسككم"[2].
وبناءً على هذا يجب على المسلم أن يؤدي نسك الحج والعمرة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إن النبي ﷺ قد وَقتَ للناس خمسة مواقيت ليحرموا منها، وهي:
١- ميقات ذي الحليفة لأهل المدينة وتعرف الآن بأبيار علي، ويبعد عن مكة المكرمة بما يقارب ٤٠٠كم تقريبًا وهو أبعد المواقيت عن مكة.
٢- ميقات الجحفة لأهل الشام يبعد عن مكة المكرمة ١٨٠ كم تقريبًا.
٣- ميقات قرن المنازل لأهل نجد ويعرف الآن بالسيل الكبير ويبعد عن مكة المكرمة ٩٠ كم.
٤- ميقات يلملم لأهل اليمن الذين يقدمون عن طريق الساحل ويسمى هذا الميقات الآن بالسعدية ويبعد عن مكة المكرمة ٩٠ كم تقريبًا.
٥- ميقات ذات عرق لأهل العراق وهذا في طريقهم قديمًا أما الآن فلا يمرون به.
فيجب على أهل هذه المواقيت الإحرام منها، وكذلك من مَرَّ عليها من غيرهم يجب عليه أن يحرم منها إذا أراد الحج أو العمرة، ولا يجوز له مجاوزتها بغير إحرام، وسواء كان مروره عليها من طريق الجو أو البر؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هُنَّ لهَنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة"[3]قاله صلى الله عليه وسلم بعدما ذكر المواقيت.
ثم إن هناك محظورات[4] وممنوعاتٍ يُمنع منها المحرم بالحج أو العمرة، وتسمى محظورات الإحرام، يجب على المحرم تركها من حين يحرم إلى أن يتحلل وهي:
١- لبس المخيط.
٢- وتغطية الرأس بملاصق له.
وهذان مما يختص بهما الرجال دون النساء، إلا أن النِّسَاء يحرم عليهن تغطية الوجه بما عمل على قدره كالنقاب والبرقع، ولهن تغطية وجوههن بغير ذلك كإسدال الخمار من أعلى الرأس على الوجه عند الحاجة، كأن يكن بحضرة رجال أجانب، ومما تمنع منه المرأة تغطية اليدين بالقفازين ونحوهما.
٣- حلق الشعر أو قصه، وسواء في ذلك شعر الرأس أم شعر البدن.
٤- تقليم الأظافر.
٥- استعمال الطيب.
٦- قتل الصيد البري.
٧- مقدمات الجماع كالقُبلة والمباشرة ونحو ذلك.
٨- الجماع.
٩- عقد النكاح والخطبة له.
وهذه المحظورات منها ما يفسد النسك: وهو الجماع دون بقية المحظورات.
ومنها ما لا يفسده: وهو بقية المحظورات.
ومنها ما لا تجب فيه فدية: وهو عقد النكاح والخطبة.
ومنها ما تجب فيه الفدية: وهو بقية المحظورات.
وفاعل المحظورات لا يخلو من حالات ثلاثة:
أحدها: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة؛ فهو آثم، وعليه الفدية.
والثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك؛ فلا إثم عليه، وعليه الفدية.
الثالثة: أن يفعل المحظور جاهلاً أو ناسيًا أو مكرهًا، والصحيح -إن شاء الله- إنه لا شيء عليه، وأنه يُعذر في هذه الحالة في أصح أقوال أهل العلم.
والفدية الواجبة: هي أن يُخير بين ثلاثة أشياء: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين.
وهذا في جميع المحظورات عدا قتل الصيد البري والجماع، فقتل الصيد البري يخير فيه بين أشياء ثلاثة:
١-إما ذبح المثل وتفريق جميع لحمه على فقراء مكة -إن كان للصيد مثلا-.
٢- وإما أن ينظر كم يُساوي هذا المثل، ويخرج ما يقابل قيمته طعامًا يُفرق على المساكين، لكل مسكين نصف صاع.
٣- وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.
وأما المحظور الذي هو الجماع:
- فإن كان قبل التحلل الأول فتجب بذلك بدنة.
- وإن كان بعد التحلل الأول فتجب شاة.
ثم إن أفعال الحج والعمرة؛ منها ما هو ركن، ومنها ما هو واجب، ومنها ما هو سنة.
فأركان الحج أربعة وهي:
الأول: الإحرام وهو النية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"[5].
الثاني: الوقوف بعرفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"[6].
الثالث: طواف الإفاضة؛ لقوله تعالى: ﴿وَليَطُوفُوا بِالْبَيْتِ العتيق﴾ [الحج: ٢٩].
الرابع: السعي بين الصفا والمروة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اسعوا، فَإِنَّ الله كَتَبَ عَلَيْكُم السعي"[7].
وأما واجبات الحج فهي:
- الإحرام من الميقات.
-الوقوف بعرفة إلى الليل لمن وقف بها نهارًا.
-المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل.
-المبيت بمنى ليالي التشريق.
- الحلق أو التقصير.
-طواف الوداع لغير الحائض والنفساء.
وأما أركان العمرة فهي:
- الإحرام.
- الطواف.
- السعي.
وأما واجباتها:
- الإحرام من الميقات.
-الحلق أو التقصير.
وهناك مسنونات في الحج والعمرة فمن المسنون في الحج: المبيت بمنى ليلة التاسع وطواف القدوم لغير المتمتع، والرمل[8] في الثلاثة الأشواط الأول منه، والاضطباع[9]، والتلبية من حين الإحرام إلى الرمي، وأما العمرة فيستمر في التلبية إلى أن يستلم الحجر، وغير ذلك.
ثم إن هذه الأفعال تنقسم إلى ثلاثة أقسام كما تقدم أركان، وواجبات، وسنن.
فأما الأركان: فلا يصح الحج ولا يتم إلا بها، فمن ترك ركنا من أركان الحج، فإن كان الإحرام أو الوقوف بعرفة؛ لم يصح حجه، وإن كان غيرهما لم يتم حجه إلا به.
ومن ترك واجبًا: فعليه دم؛ لحديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَك نسكًا فليهرق دما"[10] والمراد بالنسك هنا الواجب.
فأما من ترك سنة: فلا شيء عليه؛ لعدم النص على ذلك.
والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.
أ.د عبدالسلام بن سالم السحيمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه البخاري برقم: (٦٣١)، ومسلم برقم: (٦٧٤).
[2] رواه مسلم برقم: (١٢١٨).
[3] متفق عليه.
[4] هي: تسعة محظورات عرفت بالاستقراء، انظر: فتح القدير (٢/٤٣٩)، والمدونة (1/327)، والمجموع (7/247)، والمغني (5/112).
[5] رواه مسلم برقم: (١٩٠٧).
[6] صحيح رواه الترمذي برقم: (٢٩٧٥)، والنسائي برقم: (٣٠٤٤)، وابن ماجه برقم: (٣٠٠٥).
[7] رواه أحمد (٨/٤٠١)، والطبراني والكبير (٢٤/٧٢)، وصححه الألباني بصحيح الجامع برقم: (١٧٩٨).
[8] وهو الإسراع في المشي مع قصر الخُطى.
[9] هو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر.
[10] سنن الدارقطني برقم: (٢٥٣٦).